البَيَان المُبِين في أَنَّ التَّثَبُتَ مِن الدِّين
يقوله الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ} [الحجرات :6] ، وفي قراءة أخرى ( فتثبتوا)
سبب نزول الآية :
أَنَّ النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم بَعَث الوَليد بن عُقبة بن أَبي مُعيط إلى بَني المُصْطلق ليأْخذ مِنهم الصَّدقات، وأَنَّه لمَا أَتَاهم الخَبر فَرِحُوا، وخَرَجوا لِيتَلقوا بِرسُول الله صلى الله عليه وسلم، وأَنَّه لما حَدَّث الوَليد أَنَّهم خَرجُوا يَتَلقَونَه رَجع إِلى رَسُول الله صَلى الله عَليه وسَلم، فَقال: يَا رسُول الله: إِنَّ بَني المُصْطَلق قَد مَنعوا الصَّدقة، فَغَضِبَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِن ذَلك غَضَباً شَدِيداً، فَبَيْنَمَا هَو يُحَدث نَفسَه أَنْ يَغْزُوهم إِذ أَتَاه الوَفد ، فَقالوا: يَا رسُول الله: إِنَّا حُدثنا أَنَّ رسُولَك رَجع مِن نِصْف الطَّريق، وإِنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُون إِنَّما رَده كِتاب جَاءه مِنك لَغَضِب غَضبَته عَلينا، وإِنَّا نَعُوذُ بالله مِن غَضب الله وَغَضَب رَسُولِه!
وأَنَّ رسُول الله استَعْتَبَهُم، وَهمّ بِهم، فَأَنْزَل الله - عز وجل - عُذْرهم في الكتاب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين } [الحجرات :6 ].
فعنى التثبت: تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا.
والتبين: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملاباساته.
يقول الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: "المؤمن وَقَّاف حتى يَتَبَيَّن".
فعن حفص بن عاصم ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع " "السلسلة الصحيحة" (2025).
قَالَ النَّوَوِيّ ـ رحمه الله ـ: فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ, وَالْكَذِب الإِخْبَار عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ وَلا يُشْتَرَط فِيهِ التَّعَمُّد".
وعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ
قَوْله :" وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ . . .
قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : ". . . وفي معني الحديث ثلاثة أوجه:أولها: الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ . . .
ثَانِيهَا: إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا لِيُخْبِر عَنْهَا فَيَقُول: قَالَ فُلان كَذَا وَقِيلَ كَذَا, وَالنَّهْي عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الاسْتِكْثَار مِنْهُ, وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوص مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الْمَحْكِيّ عَنْهُ.
ثَالِثهَا: أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين كَقَوْلِهِ: قَالَ فُلان كَذَا وَقَالَ فُلان كَذَا, وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يُؤْمَن مَعَ الإِكْثَار مِنْ الزَّلَل, وَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ يَنْقُل ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَثَبُّت, وَلَكِنْ يُقَلِّد مَنْ سَمِعَهُ وَلا يَحْتَاط لَهُ).
وعن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" بئس مطية الرجل زعموا" "السلسلة الصحيحة" (866).
قال العظيم آبادي رحمه الله ـ:" ( بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل ): الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب (زَعَمُوا): الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ.
قال عمر- رضي الله عنه -:" إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف ".
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"التأني من الله و العجلة من الشيطان" "السلسلة الصحيحة" (1795).
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -:" إنما كانت العجلة من الشيطان، لأنها خفة وطيش، وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم. وتوجب وضع الشيء في غير محله، وتجلب الشرور وتمنع الخيور، وهي متولدة بين خلقين مذمومين، التفريق والاستعجال قلب الوقت".
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"التؤدة والاقتصاد، والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة" أخرجه عبد بن حميد والطبراني والترمذي وصححه الألباني.
إن الأناة والتثبت صفة جميلة يحبها الله، وتكون أجمل إذا جاءت من القادر على العقاب، واتخاذ القرار، لهذا قال الشاعر ابن هانئ المغربي:
وكل أنــــاة في المـــواطن سؤدد ولا كأنــــاة من قــــدير محكم
ومن يتبين أن للصـــفح موضعـــا من السيف يصــفح عن كثـير ويحلم
ومـــا الرأي إلا بعد طـــول تثبت ولا الحزم إلا بعد طـــول تلـــوم
روى البخاري في صحيحه الحديث القدسي فيما يرويه الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه:"من عادى لي وليا آذنته بالحرب..." [رواه البخاري].
للأسف في هذه الأيام صارت الكتابات بدون أدني تثبت حتى يتهم عَلَمٌ من علماء السلفية وكبيرٌ من كبارها شهد له الأعلام وأَئِمة هذا الزمان حتى يقال فيه ما فيه!!!
وإذا تكلم عالم بعالم فهذا لا ضير فيه يتقبله العلماء بصدر رحب وهذا الأمر مشهور معروف عند سلفنا الكرام وقد ذكر الإمام السبكي في طبقات الشافعية قاعدة ذهبية في تجريح العلماء، إذا قال:"الصواب عندنا أن من تثبت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه، من تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة، وإلا لو فتحنا هذا الباب أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه، لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون، وقد عقد الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال – استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في زروبها – وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض.
ولعل ابن عبد البر يرى هذا، ولا بأس به، غير أنا لا نأخذ به على إطلاقه ولن نرى أن الضابط ما نقوله من أن ثابت العدالة لا يلتفت فيه إلى قول من تشهد القرائن بأنه متحامل عليه إما لتعصب مذهبي أو غيره. ثم قال ابن عبد البر – فمن أراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض، فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا، فنقول مثلا، لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح، لأن هؤلاء أئمة مشهورون، صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي إلى نقله – ومن أمثلة ما قدمنا، قول بعضهم في البخاري – تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فيا لله والمسلمين أيجوز لأحد أن يقول البخاري متروك، وهو حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة".
وعدم التثبت يأدي إلى الكذب والقول على الله بغير علم ، يقول تعالى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [سورة الإسراء:36].
وقال عليه الصلاة والسلام:"من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال"رواه أبي داود برقم (3597) وهو من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما-.
وكم من مخاصم في الباطل وهو بعلم أنه خلاف الحق لم يزل في سخط من الله تعالى ، بل الذي يقول في أخيه ما ليس فيه من إخوانية أو مميع أو قطبي أو حزبي ...
أسكنه الله ردغة الخبال .
والله أن الخطب كبير والأمر صعب وعسير وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
فدفاعا عن شيخنا- علي الحلبي - المظلوم تتداعت عليه الكلمات والجمل المفتريات من بعض الأخوة- هداهم الله- في بعض المنتديات ، ولكن لابد لهؤلاء أن يقفوا مع ربِّ الأرض والسماوات - جل وعلا – وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
فأحب أن أذكر نفسي وإخواني أن يتقوا الله في شيوخهم وعلمائهم وأن يحرصوا على جمع الكلمة ووحدة صفهم وحرصهم على الألفة والمحبة كما قال عليه الصلاة والسلام من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه.
وأخيرا أقول ما هي الغايه من هذا الهجوم؟! وما هو الهدف؟! ولصالح من؟!.
هل حقا هذا هو الدفاع عن المنهج ؟!!!
أقول كم أفرحتم الحزبيين وأهل البدع والله مما تقولونه في أهل العلم من وأهل السنة" لا للسنة نصروا ولا للبدعة كسروا".
فإلى الله المشتكى وحسبنا الله ونعم الوكيل،وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أخوكم المحب
أبو محمد
جمال الشيخ
إلى هنا أحبائي اكون قد أنهيت من موضوعي البسيط
آملا من الله تعالى ان ألقاكم في موضوع جديد
حياكم المولى عز وجل