رت إلى ذلك المبنى فتعجبت من حسنه وبهائه.. فقررت الدخول فيه.. ودخلت لأسلي نفسي وأفرحها.. ولكن حدث العكس، فمنذ أن وضعت قدمي إذا بي أسمع الآهات والأنات.. ألم وتعب وخوف ونصب.. يعانون ويقاسون الأوجاع ولا مشتكى لهم إلا الله.. عندها علمت أن ذلك المبنى هو المستشفى.
هذه عشر همسات أرسلها إلى مريض:
1) اعلم أن المرض الحقيقي ليس مرض الأبدان وإنما مرض القلوب والحياة، والسعادة الحقيقية هي حياة الأرواح لا حياة الأجسام ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) [البقرة:10]
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
2) إن كان الله قد أخذ منك نعمة فقد أعطاك نِعَم، إن فقدت بصرك فأنت تسمع وغيرك لا يسمع، وإن فقدت سمعك فأنت تبصر وغيرك لا يبصر، وإن فقدت كل هذه النِّعم فإن عندك نعمة عظمة وهي الإسلام.
3) اعلم أن المرض ابتلاء واختبار من الله حتى يرى صدقك وإخلاصك وإيمانك ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت:2- 3].. وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
4) ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [آل عمران:146] لا تكثر من الأسى والشكوى إلى الناس حتى تكون كل وعكة وكل ألم وشدة يكفر الله بها عن خطاياك ( ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة.. ) صحيح. الإيمان لابن تيمية.
إن تأوهك وتضجرك واعتراضك على القضاء أمر لا يقدم ولا يؤخر.. بل يزيد أوجاعك ويجدد آلامك، فلماذا تئن ؟
وهو كذلك يمحو فضيلة وأجر الصبر عنك ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ الزمر:10] فاصبر وتصبر ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [آل عمران:146].
5) إن وجودك على السرير الأبيض وإعاقتك عن الحركة والمشي لا يعني أن يلغي المجتمع وجودك وأن تكون فرداً لا فائدة فيه، كلا وألف كلا، بل المشلول قد يستطيع أن يعمل ما لم يعمله الآلاف بهمته وعزيمته وصدقه، وهو يستطيع أن يصنع لنفسه صفحة في تاريخ البطولات والأمجاد، ولا تقل أني أبالغ، فهذا الشيخ العلامة إمام العصر ابن باز رحمه الله أعمى ولكنه كم غَيَّر وبدَّل.
ورجل آخر وهو أحمد ياسين رحمه الله فقد أرعب جيوش الصهاينة.. تتحرك الدبابات وتعد الكتائب وتنطلق الصواريخ من أجل الفتك به؛ لأنه فعل بهم العجائب.. مع أنه مشلول وبه سبعة من أخطر الأمراض.
وكم من مريض أسلم على يديه أناس وتاب عليه آخرون، فرفعت له الأكف: اللهم اشفه.
6 ) ازرع في نفسك باب التفاؤل ولا تكن متشائماً.. فكما قدر الله لك المرض فهو قادر وقدير على أن يزيله ويذهبه ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) [الشعراء:80].
7 ) والله لو اجتمع عليك أطباء الدنيا ما قدروا أن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك، فلا تعتمد على الأسباب الحسية من الطبيب والدواء، ولكن اعتمد على مسببها وثق به وتوكل عليه، فهو الذي له الخلق والأمر ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) [الطلاق:3].
ومضة: لا يعني ذلك أن تترك الأسباب الحسية وإنما لا نعتمد عليها أشد الاعتماد.
8 ) الدعاء أعظم سلاح ودواء لك، فكم من دعوة في آخر الليل أزالت هموماً وكربات، وكم من يد مبتلاة رفعت في آخر ساعة من الجمعة فما أخفضت إلا وقد نزلت البركات وذهبت الآهات والحسرات.. وأحسن الظن بالله ولا تستعجل الإجابة، فإنه ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ) رواه البخاري ومسلم.
سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمد وللأمد انتهاء
9 ) عليك أن تتعلم الأحكام التي تحتاجها في حياتك، كالطهارة والصلاة ولا تخجل، فهذه عبادة عظيمة لا تحتمل أن يجهل فيها العبد، فتفهم مسائلها وأتقن علومها؛ لتعبد الله على بصيرة.
10 ) إن قلَّ الأنيس وذهب الصديق والصاحب والجليس فاجعل ذكر الله أنيسك والقرآن جليسك، وستجد الراحة والطمأنينة ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد:28].
أسأل الله أن يشفي جميع مرضى المسلمين.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد